” نحن نقصُّ عليك أَحسن القصص بما أَوحينا إِليك هذا القرآن “، لعلَّ سورة يوسف من أقرب السّور إلى قلب كلّ مسلم، لما فيها من راحة نفسيّة، وطمأنينة وبشرى للنّفس بالفرج بعد الكرب، وبالفرح بعد الحزن.
وقد وصفها اللّه بأحسن القَصص، لأنّها قصّة متكاملة الأحداث، متسلسلة بطريقة مشوّقة، بدأت برؤيته -أحد عشر كوكبًا والشّمس والقمر له ساجدون في المنام- وانتهت بتحقيقها، بأن سجد له أبوه وأمّه وإخوته: الأحد عشر سجود تكريم لا طاعة – وكان ذلك مسموحًا في شريعتهم -، ولكونها معالجة لآفةٍ مجتمعيّة تنخر قلب الإنسان وتسهم في بثّ الخلافات والنّزاعات بين الخلائق، ألا وهي الحسد.
لم يمنع رابط الدّم والأخوّة بين يوسف وإخوته العشر حسدهم له، بل إنّ الحسد كان مدمّرًا لهذا الرّابط، حتى بات أحنّهم إليه قلبًا من قام بإلقائه في قاع بئر مظلم وهو طفل صغيرظنّاً منه أنّه يخلّصه من مكر إخوته له، ومن هنا كان الفرج – فالخير يأتي المخلوق من حيث لا يحتسب – فما كان إلقاؤه في الجبّ إلا تمهيدًا ليتسلّم زمام أمور مصر، بعد أن فُتِن بفتنة الاسترقاق والاستعباد من عزيز مصر الذي اشتراه.
ولم تقتصر الفتن والمحن التي واجهها يوسف عليه السّلام على ذلك، فاللّه سبحانه يختبر عباده ويبتليهم ليرفع عنهم خطاياهم، وبها ترتفع درجاتهم في الجنّة، ليواجه نبيّ الله يوسف بعد ذلك فتنة النّساء، فراودته امرأة عزيز مصر داخل بيتها عن نفسه، فرفض نبيّ اللّه الوقوع في الفاحشة، فمكرت له امرأة العزيز مكرًا شديدا بأن ألقته في السّجن بضع سنين، ثم أتاه فرج اللّه بعد أن وجد منه عزيز مصر فطنة ويقظة لإنقاذه مصر من كارثة القحط والجدب عندما فسّر رؤية الملك – وذلك من نعمة اللّه عليه بأن علّمه من تأويل الأحاديث – فاستخلصه لنفسه وولّاه على خزائن مصر.
خلاصة الأمر، لقي نبيّ اللّه يوسف أربع محن: الحسد ، والاسترقاق ، والنّساء ، والسّجن ، وكان صابرًا داعيًا إلى اللّه ، لم يقنط من رحمته ، ليجزيه اللّه بذلك مُلكًا بعد ضعف. ومن خلال قراءة يوسف وتدبّر آياتها نتعلّم الصّبر والتّوكّل على اللّه؛ لأنّه يَتيقّن أنّه ما بعد الصّبر إلّا الفرج.
Muhammad Raif Horen / from Palestine