يقول الحقّ جلّ جلاله في سورة العنكبوت:
{اتل ما أُوحي إِليك من الكتاب وأَقم الصَّلاة إِنّ الصَّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر اللَّه أَكبر واللَّه يعلم ما تصنعون } العنكبوت/٤٥.
في هذه الآية الكريمة نلاحظ أنّ الصّلاة تضمَّنت شيئين: أَحدهما نهيها عن الذّنوب، والثّاني تذكيرها لنا بأهمّيّة ذكر اللَّه تعالى.
نعم ؛ فالصّلاة عماد الدّين، وفريضة ربّ العالمين، ومعراج المؤمنين، وثاني أركان الإسلام بعد الشّهادتين، فُرضت في أشرف مقام وأرفع مكان في رحلة الإسراء والمعراج الشّريفين، وهي الفاصل بين المؤمن والكافر، وأوّل ما يُسأل العبد عنه حين تقوم السّاعة، مَن حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها خسر الدّنيا والآخرة، كما أنّها علامة على الصّلة بين العبد والرّب جلَّ وعلا.
ففي الصّلاة من الأقوال: تكبير للّه وتحميده وتمجيده وتسبيحه وتنزيهه والتّوجه إليه بالدّعاء، واللّجوء إليه بالرّجاء، والانكسار بين يديه بالاستغفار، وفيها تحقيق العبودية له -جلّ شأنه- وطلب الإعانة والهداية منه سبحانه، واجتناب ما يغضبه وما هو ضلال وضياع، وكلّها تذكّر بالحرص على مرضاته، والإقلاع عن عصيانه، وما يفضي إلى غضبه أو سخطه، وفي ذلك كلّه انصراف عن الفحشاء والمنكر، وتخلّص من التّجبّر والتّكبّر؛ فإنّ اللّه قال: }تنهى عن الفحشاء والمُنكر{ ولم يقل تصدّ وتحول ونحو ذلك، ممّا يقتضي صرف المصلّي عن الفحشاء والمنكر .
والمقصود بالفحشاء: كلّ فحش من القول أو الفعل، وهو كلّ ذنب استفحشته الشّرائع والفطر.
وأمّا المنكر؛ فكلّ مستقبح غير معروف ولا مرضيّ.
ومن الملاحظ في عصرنا هذا أنّ معظم أعدائنا وغالبيّة سفهاء زماننا يريدون تفريغ معاني الصّلاة وآثارها وثمارها من نفوسنا ومن جلّ حياتنا؛ لتكون بمعزل عن واقعنا وإيتاء أكلها، وهذا ما حذّرنا منه مولانا -جلّ ذكره- في محكم كتابه، وذلك فيما ذكره في سورة هود -عليه السّلام- وتحديداً في قول اللّه تعالى: }قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما كان يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء {!.
إنّها دعوة قديمة حديثة تلك التي تطالب الأمّة بعزل الدّين عن الدّولة وعن مظاهر الحياة عموماً؛ فلقد كانت موجودة حتّى عند قوم شعيب – عليه السّلام – الذين نقل اللّه تعالى إلينا مقولتهم في تلك الآية السّابقة، إذ إنّهم استنكروا عليه كيف تكون الصّلاة سبباً لترك الشّرك، ولمنع الغش.
ويا ترى كم من أبناء ملّتنا من تصدر عنه بعض الأقوال المقاربة، وقد ضلّ بما قال، ولكنّه في غفلة عن هذا الحال الذي بلغه نتيجة جهله بعظمة شعائر دينه، أو بسبب تبعيّته لأفكار غيره.
عافاني ربي وإيّاكم أحبّتي، فالصّلاة الصّلاة من قبل أن يأتي يوم لا مردّ له من اللّه، ففيها واللّه من الأسرار والأخبار ما يُصلح شأننا كلّه؛ من الحقّ في الاعتقادات، والخير في السّلوك والمعاملات، وهي سبب الصّلاح في الحال، والفلاح في المآل، واللّه الموفّق من قبل ومن بعد.
د. عبد السلام الفندي/ الأردن