مراتب الرّجال في الدّعوة إلى اللّه في ضوء القرآن الكريم

الدّعوة إلى اللّه عزّ وجلّ مهمّة الأنبياء والمرسلين، قال اللّه تعالى مخاطبًا نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم: “وما أَرسلنا من قبلك إلّا رجالًا نُوحي إليهم”، وأمر نبيّه أن يبلّغ النّاس بذلك فقال: “قل هذه سبيلي أَدعو إِلى اللَّه على بصيرة أَنا ومن اتَّبعني”، وكلّف فئة من النّاس بالدّعوة إليه والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فقال: “ولتكن منكم أمَّة يدعون إِلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر”.

وعندما نبحث في القرآن الكريم فإنّنا نجد أنّ أيّ جهد مبذول في الدّعوة إلى اللّه مهما قلّ أو كَثُر فهو جهد مبارك مقبول ممدوح صاحبه، حيث أعطى اللّه عزّ وجلّ كلّ من قدّم جهدًا ولو بسيطًا في الدّعوة إليه وسام الرّجولة. إلّا أنّ وسام الرّجولة أتى على مراتب بحسب العمل الذي يُقَدّم في الدّعوة إلى اللّه عزّ وجلّ.

ولعلّ أقلّ جهد يمكن أن يحصل المسلم من خلاله على وسام “رجل” في الدّعوة إلى اللّه عزّ وجلّ هو تقديم النّصيحة والإرشاد ولو بالخفاء للدّعاة العاملين، فقد قال اللّه عزّ وجلّ في الّذي قدّم النّصيحة لسيدنا موسى عليه السّلام واصفًا إيّاه بالرَّجل: “وجاء رجل من أَقصى المدينة يسعىٰ قال يا موسىٰ إنَّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنّي لك من النَّاصحين”.

أمّا المرتبة التي تليها في الرّجولة فهي لمن لم يكتفِ بمجرّد تقديم النّصح بل تجاوزها إلى مرتبة أعلى فقام بمحاولة الدّفاع عن الدّعاة وأهل الحقّ ودفع الضّرر والأذى عنهم وإن لم يكن هو في ذاته داعية وبقي مستترًا لا يجهر بدعوته. وقد مثّل القرآن الكريم لهذا النّوع من الرّجال فقال: “وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلًا أن يقول ربِّي اللَّه وقد جاءكم بالبيّنات من ربّّكم ۖ وإِن يك كاذبًا فعليه كذبه ۖ وإِن يك صادقًا يصبكم بعض الَّذي يعدكم “.

وهناك مرتبة أعلى من الرّجولة ذكرها القرآن الكريم أعطيت لمن جهر بالدّعوة إلى اللّه عزّ وجلّ وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقال الله عزّ وجلّ: وجاء من أقصى المدينة رجل يسعىٰ قال يا قوم اتّبعوا المرسلين (20اتَّبعوا من لا يسأَلكم أَجرًا وهم مهتدون) .

أما المرتبة الرّابعة من مراتب الرّجال في الدّعوة إلى اللّه عزّ وجلّ وهي أعلى من سابقاتها، فقد نالها من دعا إلى اللّه وبلّغ أمره وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ودافع ودعم وأسند وثبّت الدّعاة، وقال الحق وجهر به ولم يخشَ في دعوته إلّا اللّه عزّ وجلّ، ومثل هذا النّوع من الدّعاة كمن قال اللّه عزّ وجل فيهم: “قال رجلان من الَّذين يخافون أَنعم اللَّه عليهِما ادخلوا عليهم الباب فإِذا دخلتموه فإِنّكم غالبون ۚ وعلى اللَّه فتوّكَّلوا إِن كنتم مؤمنين”.

أما المرتبة العليا وذروة السّنام في الدّعوة إلى اللّه، فهي لمن قال اللّه فيهم: “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللَّه عليه ۖ فمنهم من قضىٰ نحبه ومنهم من ينتظر ۖ وما بدَّلوا تبديلاً”. فهم قوم ثبتوا على عهدهم وميثاقهم مع اللّه عزّ وجلّ حتّى آخر قطرة من دمائهم بذلوها في الدّعوة إلى اللّه والدّفاع عن دينه، وإظهار أمره.

ومن خلال ما سبق فلا تستقلّ ولا تستصغر أيّ جهد تقدّمه في الدّعوة إلى اللّه عزّ وجل، ولو كان بكلمة تكتبها على وسائل التّواصل الاجتماعيّ فتنتصر بها للحقّ وتُكثر سواده، وتدفع بها الظّلم وتبيّن فساده، فأنت وإن قلّ جهدك رجل، وإن أردت أعلى المراتب فالطّريق أمامك واضح، والنّاس “كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة”.

د. بلال سلهب/ من فلسطين

 

Read more

Testimonial Divider_converted

مراتب الرّجال في الدّعوة إلى اللّه في ضوء القرآن الكريم

الدّعوة إلى اللّه عزّ وجلّ مهمّة الأنبياء والمرسلين، قال اللّه تعالى مخاطبًا نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم: “وما أَرسلنا من قبلك إلّا رجالًا نُوحي إليهم”، وأمر نبيّه أن يبلّغ النّاس بذلك فقال: “قل هذه سبيلي أَدعو إِلى اللَّه على بصيرة أَنا ومن اتَّبعني”، وكلّف فئة من النّاس بالدّعوة إليه والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فقال: “ولتكن منكم أمَّة يدعون إِلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر”.

وعندما نبحث في القرآن الكريم فإنّنا نجد أنّ أيّ جهد مبذول في الدّعوة إلى اللّه مهما قلّ أو كَثُر فهو جهد مبارك مقبول ممدوح صاحبه، حيث أعطى اللّه عزّ وجلّ كلّ من قدّم جهدًا ولو بسيطًا في الدّعوة إليه وسام الرّجولة. إلّا أنّ وسام الرّجولة أتى على مراتب بحسب العمل الذي يُقَدّم في الدّعوة إلى اللّه عزّ وجلّ.

ولعلّ أقلّ جهد يمكن أن يحصل المسلم من خلاله على وسام “رجل” في الدّعوة إلى اللّه عزّ وجلّ هو تقديم النّصيحة والإرشاد ولو بالخفاء للدّعاة العاملين، فقد قال اللّه عزّ وجلّ في الّذي قدّم النّصيحة لسيدنا موسى عليه السّلام واصفًا إيّاه بالرَّجل: “وجاء رجل من أَقصى المدينة يسعىٰ قال يا موسىٰ إنَّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنّي لك من النَّاصحين”.

أمّا المرتبة التي تليها في الرّجولة فهي لمن لم يكتفِ بمجرّد تقديم النّصح بل تجاوزها إلى مرتبة أعلى فقام بمحاولة الدّفاع عن الدّعاة وأهل الحقّ ودفع الضّرر والأذى عنهم وإن لم يكن هو في ذاته داعية وبقي مستترًا لا يجهر بدعوته. وقد مثّل القرآن الكريم لهذا النّوع من الرّجال فقال: “وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلًا أن يقول ربِّي اللَّه وقد جاءكم بالبيّنات من ربّّكم ۖ وإِن يك كاذبًا فعليه كذبه ۖ وإِن يك صادقًا يصبكم بعض الَّذي يعدكم “.

وهناك مرتبة أعلى من الرّجولة ذكرها القرآن الكريم أعطيت لمن جهر بالدّعوة إلى اللّه عزّ وجلّ وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقال الله عزّ وجلّ: وجاء من أقصى المدينة رجل يسعىٰ قال يا قوم اتّبعوا المرسلين (20اتَّبعوا من لا يسأَلكم أَجرًا وهم مهتدون) .

أما المرتبة الرّابعة من مراتب الرّجال في الدّعوة إلى اللّه عزّ وجلّ وهي أعلى من سابقاتها، فقد نالها من دعا إلى اللّه وبلّغ أمره وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ودافع ودعم وأسند وثبّت الدّعاة، وقال الحق وجهر به ولم يخشَ في دعوته إلّا اللّه عزّ وجلّ، ومثل هذا النّوع من الدّعاة كمن قال اللّه عزّ وجل فيهم: “قال رجلان من الَّذين يخافون أَنعم اللَّه عليهِما ادخلوا عليهم الباب فإِذا دخلتموه فإِنّكم غالبون ۚ وعلى اللَّه فتوّكَّلوا إِن كنتم مؤمنين”.

أما المرتبة العليا وذروة السّنام في الدّعوة إلى اللّه، فهي لمن قال اللّه فيهم: “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا اللَّه عليه ۖ فمنهم من قضىٰ نحبه ومنهم من ينتظر ۖ وما بدَّلوا تبديلاً”. فهم قوم ثبتوا على عهدهم وميثاقهم مع اللّه عزّ وجلّ حتّى آخر قطرة من دمائهم بذلوها في الدّعوة إلى اللّه والدّفاع عن دينه، وإظهار أمره.

ومن خلال ما سبق فلا تستقلّ ولا تستصغر أيّ جهد تقدّمه في الدّعوة إلى اللّه عزّ وجل، ولو كان بكلمة تكتبها على وسائل التّواصل الاجتماعيّ فتنتصر بها للحقّ وتُكثر سواده، وتدفع بها الظّلم وتبيّن فساده، فأنت وإن قلّ جهدك رجل، وإن أردت أعلى المراتب فالطّريق أمامك واضح، والنّاس “كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة”.

د. بلال سلهب/ من فلسطين