أصناف المطفّفين

الحمد للّه وحده والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده، أمّا بعد:

قال اللّه عزّ وجلّ في كتابه العزيز ﴿ويل للمُطفّفين (1) الَّذين إذا اكتالوا على النَّاس يستوفون (2) وإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون (3)﴾

لي وقفة صغيرة مع هذه الآيات القلائل من كتاب ربّنا ودستور حياتنا، ومعلوم أنّ كتاب اللّه عزّ وجلَّ كالبحر الواسع المليء بالدُرر، وكلّ من اغترف منه قد نال نصيباً من هذه الفوائد. ولا تنضب المعاني من القرآن الكريم أبداً، ذلك النّاموس الإلهي الذي تكفّل للنّاس بإصلاح الدّين والدّنيا.

بدأت السّورة بوصف هذه الطّائفة من النّاس وهم المطفّفين، وأوّل ما نعتَهم اللّه به: استيفاؤهم لحقوقهم عند الأخذ وإجحاف النّاس في حقّهم عند أدائها، وهذا هو عين اللّؤم والخبث والمكر، فأنذرهم اللّه بعذاب شديد فيه ردع لكلّ من تسوّل له نفسه التّلاعب بحقوق النّاس. ولكنّي لا أرى أنّ التّطفيف يكمن في البيع والشّراء فقط، فكثير ما نرى أناساً لا يردّون الإحسان بالإحسان كما وصّى اللّه عزّ وجلّ، كرجل يصل رحمه وأرحامه لا يصلونه، أو يصلونه وصل المضّجر المتململ كمن يرقد على الجمر إن جالسه، فهم كمن يأخذ حقّه ولا يكترث لحقوق غيره. وجار يعامله جاره بالحسنى ولا يرى منه إلّا الأذى وسوء الجوار، بل وبين الزّوجين، ذلك الميثاق الذي سمّاه اللّه “ميثاقًا غليظًا” وجعل بينهما رباطاً من المودّة والرّحمة ليُعين كلاً منهما الآخر، ولكن أحيانًا نرى زوجين يعامل أحدهما الآخر كما أمر اللّه ويطيع ربّه فيه، ولكنّ الآخر لا يردّ هذا المعروف إلّا بالنّكران والجحود.

فإذا كنت ممّن يقطع رحمه ويصلونه، فاعلم أنّك من المطفّفين، وإذا كنت ممن لا يردّ الحسنى بالحسنى فأنت من المطفّفين، وإن كنت تسيء إلى جيرانك فأنت من المطفّفين، ولسان حالك أبلغ في الإفصاح عن هذا من لسانك الذي كاد أن ينعتك بالعصمة من فرط دفاعه عنك وإلقاء اللّوم على غيرك.

والواجب أن تكون كما أمر اللّه عزّ وجلّ بقوله: ﴿وإذا حُيّيتم بتحيَّة فحيُّوا بأحسن منها أو ردُّوها ۗ إِنَّ اللَّه كان علىٰ كلّ شيء حسيبًا﴾ فمن قام لك فامش إليه، ومن بادرك بمعروف فاجعله يرى أثره في سلوكك الطّيّب معه، وهكذا.

وإن كان هذا واجبٌ مع الخلق فهو مع الخالق أوجب، ونحن وإن كنّا لا نقدر على ردّ معروف اللّه ونعمه علينا بأفضل منها، فإنّ اللّه ربّنا ربّ كريم يرضى منّا بالقليل، فبكلمة شكر للّه عزّ وجلّ تدوم النّعمة وتزيد، وبركعتين تصفّ قدميك فيهما قبل الصّبح أفضل عند اللّه لك من الدّنيا وما فيها بنصّ حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم (ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها”.) واللّه أعلم.

محمد أبو العلا إبراهيم

إقرأ ايضاً

Testimonial Divider_converted

أصناف المطفّفين

الحمد للّه وحده والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده، أمّا بعد:

قال اللّه عزّ وجلّ في كتابه العزيز ﴿ويل للمُطفّفين (1) الَّذين إذا اكتالوا على النَّاس يستوفون (2) وإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون (3)﴾

لي وقفة صغيرة مع هذه الآيات القلائل من كتاب ربّنا ودستور حياتنا، ومعلوم أنّ كتاب اللّه عزّ وجلَّ كالبحر الواسع المليء بالدُرر، وكلّ من اغترف منه قد نال نصيباً من هذه الفوائد. ولا تنضب المعاني من القرآن الكريم أبداً، ذلك النّاموس الإلهي الذي تكفّل للنّاس بإصلاح الدّين والدّنيا.

بدأت السّورة بوصف هذه الطّائفة من النّاس وهم المطفّفين، وأوّل ما نعتَهم اللّه به: استيفاؤهم لحقوقهم عند الأخذ وإجحاف النّاس في حقّهم عند أدائها، وهذا هو عين اللّؤم والخبث والمكر، فأنذرهم اللّه بعذاب شديد فيه ردع لكلّ من تسوّل له نفسه التّلاعب بحقوق النّاس. ولكنّي لا أرى أنّ التّطفيف يكمن في البيع والشّراء فقط، فكثير ما نرى أناساً لا يردّون الإحسان بالإحسان كما وصّى اللّه عزّ وجلّ، كرجل يصل رحمه وأرحامه لا يصلونه، أو يصلونه وصل المضّجر المتململ كمن يرقد على الجمر إن جالسه، فهم كمن يأخذ حقّه ولا يكترث لحقوق غيره. وجار يعامله جاره بالحسنى ولا يرى منه إلّا الأذى وسوء الجوار، بل وبين الزّوجين، ذلك الميثاق الذي سمّاه اللّه “ميثاقًا غليظًا” وجعل بينهما رباطاً من المودّة والرّحمة ليُعين كلاً منهما الآخر، ولكن أحيانًا نرى زوجين يعامل أحدهما الآخر كما أمر اللّه ويطيع ربّه فيه، ولكنّ الآخر لا يردّ هذا المعروف إلّا بالنّكران والجحود.

فإذا كنت ممّن يقطع رحمه ويصلونه، فاعلم أنّك من المطفّفين، وإذا كنت ممن لا يردّ الحسنى بالحسنى فأنت من المطفّفين، وإن كنت تسيء إلى جيرانك فأنت من المطفّفين، ولسان حالك أبلغ في الإفصاح عن هذا من لسانك الذي كاد أن ينعتك بالعصمة من فرط دفاعه عنك وإلقاء اللّوم على غيرك.

والواجب أن تكون كما أمر اللّه عزّ وجلّ بقوله: ﴿وإذا حُيّيتم بتحيَّة فحيُّوا بأحسن منها أو ردُّوها ۗ إِنَّ اللَّه كان علىٰ كلّ شيء حسيبًا﴾ فمن قام لك فامش إليه، ومن بادرك بمعروف فاجعله يرى أثره في سلوكك الطّيّب معه، وهكذا.

وإن كان هذا واجبٌ مع الخلق فهو مع الخالق أوجب، ونحن وإن كنّا لا نقدر على ردّ معروف اللّه ونعمه علينا بأفضل منها، فإنّ اللّه ربّنا ربّ كريم يرضى منّا بالقليل، فبكلمة شكر للّه عزّ وجلّ تدوم النّعمة وتزيد، وبركعتين تصفّ قدميك فيهما قبل الصّبح أفضل عند اللّه لك من الدّنيا وما فيها بنصّ حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم (ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها”.) واللّه أعلم.

محمد أبو العلا إبراهيم