غار الهدهد على التّوحيد

حين تستعرض حادثة الهدهد تقف حائراً أمام غيرته على التّوحيد، حيث ثارت ثائرته واشتاط غضباً حين رأى أناساً خلقهم اللّه تعالى على فطرة التّوحيد وانحرفوا عنها، وأنعم اللّه عليهم بنعمة العقل، ومع ذلك  يعبدون غير اللّه تعالى!! وإليك ما جرى من أحداث وتحرّكات حين ذكر اللّه لنا ما فعله القائد العظيم ونبيّه الكريم سليمان عليه الصّلاة والسّلام، خرج (وتفقَّد الطَّير) كعادة القادة العظماء الكبار الذين يتفقّدون الصّغير قبل الكبير ويسألون عن أحوالهم ويتفقّدون أمور حياتهم، وهذا له أثر عظيم على النّفوس وبه تقوم الحياة الاجتماعيّة على المحبة بين القائد ورعيّته.

من هو الهدهد؟

إنّه مخلوق بحجم الكفّ لا يتجاوز وزنه غرامات ومع هذا خُلّد ذكره إلى قيام السّاعة لما قدّمه من خدمة للتّوحيد، ففي الوقت الذي لاحظ فيه سليمان عليه السّلام غيابه قال :(ما لي لا أَرى الهدهد)(1)، يأتي الهدهد مسرعاً يحمل الخبر الذي هزَّ أركانه وحرّك وجدانه، وجود قوم يشركون باللّه ، ويتّضح المعنى من الآية الآتية: (فمكث غير بعيد فقال أَحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين)(2) 

ولعلمه أهمّيّة التّوحيد في حماية النّسيج المجتمعيّ، فقد أيقن خطورة الموقف وعظمه، وقام بما يحمله من مسؤوليّة اجتماعيّة تجاه الواقع الذي يعيش فيه، ولم يعزل نفسه عن هذه المسؤوليّة الكبرى، وجاء إلى نبيّ اللّه سليمان يخبره خبر القوم، ومفاد الخبر بتفاصيله: (إنّي وجدتّ امرأة تملكهم وأوتيت من كلّ شيء ولها عرش عظيم (23) وجدتُّها وقومها يسجدون للشّمس من دون اللَّه وزيَّن لهم الشَّيطان أَعمالهم فصدّهم عن السَّبِيل فهم لا يهتدون)،(3) كلّ هذه التّفاصيل لم يهملها الهدهد لما عنده من أمانة في نقل الخبر وذكر المعلومة كاملة، وهذا ما ينبغي أن تتعلّمه الأمّة من وجوب الأمانة في نقل الأخبار وتحرّي الصّدق والدّقة في نقله، ثمّ ينادي بقوله -ولك أن تتخيّل الحالة التي كان عليها ذاك الهدهد، وأن تعيش الحالة الصّوتيّة التي نادى فيها وصرخ صرخة مدوّية غيرة على التّوحيد في قوله تعالى: “أَلّا يسجدوا للَّه الَّذي يخرج الخبء في السَّماوات والأَرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون (25) اللَّه لا إِله إِلَّا هو ربّ العرش العظيم ۩”(4).

هنا تبرز حنكة القائد العظيم الذي لم يتعجّل في إصدار الحكم قبل النظر في صحّة ما يقوله المدّعي، ثمّ يعيده إلى أولئك القوم،حيث أرسل إليهم كتاباً قليل الكلمات، عظيم القَدر، مُوجز العبارات مفاده (إنَّه من سليمان وإِنَّه بسم اللَّه الرَّحمن الرَّحيم (30) أَلَّا تعلوا عليَّ وأْتوني مسلمين)، (5)، انتهت الرّسالة بأوجز العبارات وأقلّها وأكثرها اختصاراً، وهي رسالة تشعر القارئ بجدّيّة الأمر وعدم الاستخفاف بمضمونها. فما كان من أولئك القوم إلّا أن جيء بهم وأسلموا واتّبعوا التّوحيد ونبذوا الشّرك وراء ظهورهم، وكلّ ذلك بسبب هدهد أدَّى وظيفته على أكمل وجه وأبدع صورة . (الآيات من سورة النّمل)

الرّسالة هي: تفقّد الرّعيّة، وهدهد صادق مخلص غيور، وقائد غير متعجّل، ثمّ نتيجة مثمرة.

د. محمد خالد السميري / من الأردن

إقرأ ايضاً

Testimonial Divider_converted

غار الهدهد على التّوحيد

حين تستعرض حادثة الهدهد تقف حائراً أمام غيرته على التّوحيد، حيث ثارت ثائرته واشتاط غضباً حين رأى أناساً خلقهم اللّه تعالى على فطرة التّوحيد وانحرفوا عنها، وأنعم اللّه عليهم بنعمة العقل، ومع ذلك  يعبدون غير اللّه تعالى!! وإليك ما جرى من أحداث وتحرّكات حين ذكر اللّه لنا ما فعله القائد العظيم ونبيّه الكريم سليمان عليه الصّلاة والسّلام، خرج (وتفقَّد الطَّير) كعادة القادة العظماء الكبار الذين يتفقّدون الصّغير قبل الكبير ويسألون عن أحوالهم ويتفقّدون أمور حياتهم، وهذا له أثر عظيم على النّفوس وبه تقوم الحياة الاجتماعيّة على المحبة بين القائد ورعيّته.

من هو الهدهد؟

إنّه مخلوق بحجم الكفّ لا يتجاوز وزنه غرامات ومع هذا خُلّد ذكره إلى قيام السّاعة لما قدّمه من خدمة للتّوحيد، ففي الوقت الذي لاحظ فيه سليمان عليه السّلام غيابه قال :(ما لي لا أَرى الهدهد)(1)، يأتي الهدهد مسرعاً يحمل الخبر الذي هزَّ أركانه وحرّك وجدانه، وجود قوم يشركون باللّه ، ويتّضح المعنى من الآية الآتية: (فمكث غير بعيد فقال أَحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين)(2) 

ولعلمه أهمّيّة التّوحيد في حماية النّسيج المجتمعيّ، فقد أيقن خطورة الموقف وعظمه، وقام بما يحمله من مسؤوليّة اجتماعيّة تجاه الواقع الذي يعيش فيه، ولم يعزل نفسه عن هذه المسؤوليّة الكبرى، وجاء إلى نبيّ اللّه سليمان يخبره خبر القوم، ومفاد الخبر بتفاصيله: (إنّي وجدتّ امرأة تملكهم وأوتيت من كلّ شيء ولها عرش عظيم (23) وجدتُّها وقومها يسجدون للشّمس من دون اللَّه وزيَّن لهم الشَّيطان أَعمالهم فصدّهم عن السَّبِيل فهم لا يهتدون)،(3) كلّ هذه التّفاصيل لم يهملها الهدهد لما عنده من أمانة في نقل الخبر وذكر المعلومة كاملة، وهذا ما ينبغي أن تتعلّمه الأمّة من وجوب الأمانة في نقل الأخبار وتحرّي الصّدق والدّقة في نقله، ثمّ ينادي بقوله -ولك أن تتخيّل الحالة التي كان عليها ذاك الهدهد، وأن تعيش الحالة الصّوتيّة التي نادى فيها وصرخ صرخة مدوّية غيرة على التّوحيد في قوله تعالى: “أَلّا يسجدوا للَّه الَّذي يخرج الخبء في السَّماوات والأَرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون (25) اللَّه لا إِله إِلَّا هو ربّ العرش العظيم ۩”(4).

هنا تبرز حنكة القائد العظيم الذي لم يتعجّل في إصدار الحكم قبل النظر في صحّة ما يقوله المدّعي، ثمّ يعيده إلى أولئك القوم،حيث أرسل إليهم كتاباً قليل الكلمات، عظيم القَدر، مُوجز العبارات مفاده (إنَّه من سليمان وإِنَّه بسم اللَّه الرَّحمن الرَّحيم (30) أَلَّا تعلوا عليَّ وأْتوني مسلمين)، (5)، انتهت الرّسالة بأوجز العبارات وأقلّها وأكثرها اختصاراً، وهي رسالة تشعر القارئ بجدّيّة الأمر وعدم الاستخفاف بمضمونها. فما كان من أولئك القوم إلّا أن جيء بهم وأسلموا واتّبعوا التّوحيد ونبذوا الشّرك وراء ظهورهم، وكلّ ذلك بسبب هدهد أدَّى وظيفته على أكمل وجه وأبدع صورة . (الآيات من سورة النّمل)

الرّسالة هي: تفقّد الرّعيّة، وهدهد صادق مخلص غيور، وقائد غير متعجّل، ثمّ نتيجة مثمرة.

د. محمد خالد السميري / من الأردن