حرص النّبي -صلى الله عليه وسلم- على تحفيز الصّحابة الكرام إلى تعلّم القرآن الكريم وحفظه وإتقان تلاوته، فإن كان أهل مكّة أهل لغة وفصاحة، فقد زاد القرآن الكريم من فصاحتهم وحسن بلاغتهم، وطلاقة ألسنتهم، وقد أحدث نزول القرآن الكريم تحوّلاً شاملاً في حياة العرب، انتقلت به من أمّة البداوة إلى أمّة الحضارة، ومن التأثّر إلى التأثير، ومن السّلبيّة إلى الإيجابيّة.
وقد تعدّدت أساليب التّحفيز النّبويّ لتعلّم كتاب اللّه:
– منها ما كان بتحصيل الخيريّة والثّواب، قال النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم-: “خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه” صحيح البخاري، استجابةً لما جاء في كتاب اللّه عزّ وجلّ: “ ورتّل القرآن ترتيلًا”.
– ومنها ما كان ببيان فضل أهل القرآن وحفظته وتقديمهم على من سواهم، ومن ذلك تقديمهم في الإمامة قال النّبيّ: -صلّى اللّه عليه وسلّم -“يؤمّ القوم أقرؤهم لكتاب اللّه” صحيح مسلم، وورد التّقديم في القبر في قتلى أحد حيث كان النّبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يجمع بين الرّجلين في ثوب واحد ثمّ يقول: “أيّهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللّحد” صحيح البخاري، وأصبح أصغرهم سنّاً يتولّى إمرتهم تكريماً له وإجلالاً لما يحفظ من الآيات الكريمات؛ فقد ولّى النّبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- عثمان بن أبي العاص إمرة قومه وكان أحدثهم سنّاً؛ لأنّه أكثرهم حفظاً (الطّبراني في الكبير).
– وقد كان النّبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يشير إلى القرّاء من الصّحابة لأخذ القرآن عنهم وتقليدهم في تلاوتهم لبيان فضلهم، ومن ذلك قول الرّسول -صلّى اللّه عليه وسلّم-: “خذوا القرآن من أَربعة: من ابن أمّ عبد فبدأَ به ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وسالم مولى أَبي حذيفة “صحيح مسلم.
– كما ظهر التّحفيز باختيار حلقات القرآن خاصّة؛ فقد روى عبد اللّه بن عمرو قال: “خرج رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- ذات يوم من بعض حجره، فدخل المسجد، فإذا هو بحلقتين إحداهما يقرأون القرآن ويدعون اللّه، والأخرى يتعلَّمون ويعلّمون، فقال النبيُّ: -صلّى اللّه عليه وسلّم- كلّ على خير، هؤلاء يقرأون القرآن ويدعون اللّه، فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وهؤلاء يتعلَّمون ويعلّمون، وإنّما بعثت معلّماً فجلس معهم” سنن ابن ماجة.
وقد أثمر هذا التّحفيز في حياة الصّحابة حتّى كان من حبّ الصّحابة لكتاب اللّه أنّهم ينتظرون تنزّله ويعلمون وقت نزوله؛ فعن علي بن أبي طالب أنّه قال: “سلوني عن كتاب اللّه تعالى فو اللّه ما من آية إلّا وأنا أعلم أنزلت بليل أو نهار” (الإصابة لابن حجر).
فهل بقي لهذا التّحفيز النّبويّ الشّريف مكاناً في حياتنا هذه الأيّام؟!
نسأل الله ذلك.
د. محمود أحمد مروح