لقد قضت حكمة اللّه تعالى أن يجمع لنا بركات القرآن كلّه بسورة واحدة هي: سورة الفاتحة، فاتحة الكتاب، وامتنَّ بنزولها على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم “ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم” الحجر: ٨٧ ، إنّها بحقّ فاتحة الشّهية لختم كتاب ربّ البريّة، ما أعظمك أيّتها الفاتحة، وقد فُتح لك وبك ما لم يُفتح لغيرك من السّور؛ حيث نزل بهذه السّورة مَلَك لم ينزل قطّ إلى الأرض إلّا في ذلك اليوم، كما في صحيح الإمام مسلم، رقم:806.
الفاتحة مفتاح العَظَمة .. وقد علّمها النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم للصّحابيّ الجليل أبي سعيد بن المعلّى وهو آخذ بيده كما في صحيح الإمام البخاريّ، رقم: 4474.
مع كلّ حرف من سورة الفاتحة شفاء ودواء، إنّها صيدليّة القرآن العظيم، فقد روى البخاريّ في كتاب الطّب من صحيحه “أنّ واحداً من صحابة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ بأمّ القرآن على مريض فبرأ”.
إنّنا أحوج ما نكون إلى ختم سورة الفاتحة ختمة نحسن فيها تلاوتها، ونقيم فيها حروفها على الألسنة، ثم نحسن فهم معانيها، ونقيم بهذه المعاني حدود السّورة في قلوبنا وسلوكنا.
وإلّا فلن تصحّ لنا صلاة بلا فاتحة، ولن تصحّ لنا حياة بلا فاتحة، إنّها هديّة الفتّاح العليم إلى النّبيّ الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم يقرؤها المسلم في كلّ ركعة يجدّد بها عهده مع اللّه وبيعته لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم .
– بسم اللّه: نبدأ حياتنا؛ لأنّ كلّ أمر لا يبدأ بهذا الاسم يظلّ مقطوعاً مجذوماً.
– بسم اللّه لا بأيّ اسم سواه، لأنّه الرّحمن الرّحيم؛ نطلب رحمته ونرحم باسمه عباده وخلقه.
– }الحمد للّه ربّ العالمين{: لأنّه الرّبّ الخالق الرزّاق للعالمين، الحمد للّه على نعمة الإسلام والقرآن، الحمد للّه حمد الشّاكرين، حمداً يليق بجلال وجه خالقنا، وعظيم سلطانه، حمداً بالمقال وحمداً بالحال.
– }الرّحمن الرّحيم{: مرّة أخرى كي لا يقنط المسلم من رحمة اللّه تعالى، لاسيّما قبل ذكره ليوم الدّين وما فيه من أحوال وأهوال.
– }مالك يوم الدّين{: تذكير لنا بالآخرة، ونحن في غمرة سعينا في هذه الدّنيا التي لا نملك فيها من أمرنا شيئاً.
فيا مالك يوم الدّين؛ إيّاك نعبد ولا نعبد سواك، ونحن في طريقنا إليك قد نزلُّ ونضلُّ ونعصي ونضعف، فإيّاك يا ربّنا نستعين لنرجع إليك سالمين.
كان ابن تيمية رحمه اللّه يقول: “إيّاك نعبد تدفع الرّياء، وإيّاك نستعين تدفع الكبرياء”.
الفاتحة خارطة الطّريق إلى الصّراط المستقيم؛ فإذا أنعم اللّه عليك بهداية إلى الصّراط المستقيم فأبشر كلّ البِشر؛ لأنّك ستدخل ميدان الأشراف “ومن يطع اللَّه والرَّسول فأؤلئك مع الَّذين أَنعم اللَّه عليهم من النَّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصَّالحين وحسن أوْلئك رفيقًا” النساء: ٦٩
وإنك إما أن تكون في صحبة المنعَّمين، وإما أن تسلك سبيل المجرمين من المغضوب عليهم والضالين.
ولا كرامة ولا احترام لمن سلك سُبل اليهود، وألقى بالفاتحة وراء ظهره، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً.
د. محمد سعيد بكر