بنيّتي: إنّ معركتنا مع الشّيطان مستمرّة لا تتوقّف، فهو لا يضع لأمّة الحرب إلّا عند خروج أرواحنا، لا ييأس ولا يقنط، لا ينصب ولا يتعب، معركة غُذّيت بالحقد، منبعها الغيرة، ملأت قلبه منذ أُمِر بالسّجود فأبى وعصى، وقد تفاقم في تكبّره، وانقاد “للأنا” حتّى تغافل عن قيمته أمام ربّه، فلما طُرِد من رحمة اللّه، وحُرم جنّته، عقد العزم على أن يُخرج أبانا آدم وذريّته منها كما أُخرِج هو، فأعلن حربه وابتدأ المعركة، ونجح في أوّل جولة، إذ نسي سيّدنا آدم -عليه السّلام- ولم يجد له ربّه عزما، عندها تاب عليه وغفر له وهدى، لكن كان نتيجة ذلك أنّه أخرج منها حتّى حين، فأُهبطا إلى أرض البلاء والابتلاء، وأُعلن العداء الأزليّ {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ ولكم في الأرض مستقرّ ومتاع إلى حين} [البقرة: 36].
كان هدف المعركة المعلن، وإحدى غايات الشّيطان من غوايته: {فوسوس لهما الشّيطان ليُبدي لهما ما وُوري عنهما من سوءاتهِما } [الأعراف: 20].
وانطلقت إشارة بدء المعركة، وعلامتها: فلمّا ذاقا الشّجرة بدت لهما سوءاتهما وكُشفت عوراتهما، طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة، فكان من أهمّ محاور الصّراع، وأحد أهمّ الأهداف الاستراتيجيّة عند إبليس وجنوده من الثّقلين هو كشف عورات البشر، فجاء التّحذير الإلهي واضحاً: {يابني آدم لا يفتننَّكم الشَّيطان كما أخرج أبويكم من الجنّة ينزع عنهما لباسهما} [الأعراف: 27].
بنيّتي: إنّها معركتك إذاً، وهو المدخل الذي يسعى الشّيطان أن يتسلّل منه إلى روحك وقلبك وعقلك، يحاول أن يثير فيك نزعة التّجمّل الكامنة في أعماق أنوثتك، ويستغلّ ما جُبلت عليه من حبّ الزّينة، وأنت وعامّة الفتيات نشأتنّ في الحلية، فالحذر الحذر أن يهزمك، وإنّ سلاحك -الذي ترفعينه وتواجهين به شيطانك وحصنك الذي تتحصنين به من هجماته- إنّما هو لباس التّقوى الذي يُلقي بظلاله على الجسد والرّوح، فهو خير سلاح وأمنع حصن.
بُنيّتي: إنّ المرأة في حجابها وسترها-وهي تحفظ نفسها- إنّما تزداد جمالاً، لا تزداد قبحاً، وتعلو رفعة لا تهبط منزلة، وإنّ الإسلام حين أمرك أنْ تدنين عليك من جلبابك، وتسترين جسدك، أراد أن يكون ما وهبك ومنحك طريق هداية، لا سبيل غواية، أن يكون نعمة تشكرينها، لا نقمة تكتوين بنارها.
بُنيّتي: فأين يسكن الملوك إلّا في قصورهم، وأين توضع الجواهر واللآلئ إلّا في خزائنها، بل أين يقيم القلب إلّا بين الضّلوع وفي الصّدور، وإنّما يُحفظ العقل في جماجم الرّؤوس، وتُحرس العين في الجُفون.
وأنت أعلى مكانة، وأرفع قدراً، فما أنت إلّا ملكة في قصرها، وجوهرة في حرزها، أنت قلب البشريّة النّابض بالعطف والحبّ والحنان، كُرّمت فسمت مكانتك فوق رؤوسنا، وكنت العين التي ترى الأمّة فيها مستقبلها، والعين الحافظة الحانية الرّاعية، والعين الرّقراقة التي تروي الأجيال من خيراتها وتمدّها بتربيتها، وكنت لسان صدق يبذر الكلم الطّيب فينبت زرعاً طيّباً مباركاً بإذن اللّه، فاحرصي على لباس التّقوى، وسارعي إلى ثياب العفّة، واحفظي نفسك، وصوني عرضك، وارفعي رأسك عالياً بإسلامك الذي منحك عزَّاً، واحترم ذاتك، فكرّم روحك وجسدك، قلبك وعقلك، وأراد صلاح ظاهرك وباطنك معاً.
د. عمار كمال مناع- فلسطين