تأتي هذه التّذكرة لمن كان له قلب أو ألقى السّمع وهو شهيد، في وقت اختلطت فيه الأوراق وتشعّبت السّبل وهُجرت فيه الآداب الشّرعيّة والسّنن المحمّديّة والأخلاق الإسلاميّة إلّا من رحم اللّه، فإنّ المسيء إلى العلماء والطّاعن فيهم بغياً وعدواناً فقد ركب متن الشّطط ووقع في أقبح الغلط؛ لأنّ حرمة العلماء مضاعفة وحقوقهم متعدّدة، فلهم كلّ ما ثبت من حقوق المسلم على أخيه المسلم، ولهم حقوق المسنّين الأكابر، ولهم حقوق حملة القرآن، ولهم حقوق العلماء والأولياء الصّالحين، فقد نصّ الشّافعي رحمه اللّه على: أنّ الغيبة إذا كانت فى أهل العلم وحملة القرآن فهي كبيرة لا صغيرة!.
قال تعالى: {شهد اللّه أَنّه لا إِله إلّا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم} [آل عمران: 18]، قال ابن القيّم رحمه اللّه: استشهد سبحانه بأولي العلم على أجلّ مشهود عليه وهو توحيده وهذا يدلّ على فضل العلم وأهله من وجوه:
الأوّل: استشهد بهم من بين سائر الخلق وضمّ شهادتهم إلى شهادته وشهادة الملائكة أيضا.
الثّاني: أنّه أشهدهم على أعظم مشهود به، وهذا من أجلّ وأعظم شهادة فى القرآن؛ لأنّ المشهود به هو شهادة التّوحيد التي لا يعدلها أيّ شيء.
الثّالث: أنّ في هذا تزكيتهم وتعديلهم؛ فإنّ اللّه لا يستشهد من خلقه إلّا العدول.
وفضل العلماء فى سنّة النّبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- ظاهر، نذكر منه حديث أبي أمامة الباهليّ، قال: ذكر لرسول اللّه رجلان أحدهما عالم، والآخر عابد، فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)، ثمّ قال: (إنّ اللّه وملائكته وأهل السّماوات والأرض حتّى النّملة في جحرها لَيُصلّون على معلّم النّاس الخير).
قال ابن القيّم رحمه اللّه: (لمّا كان تعليمه النّاس الخير سببا لنجاتهم وسعادتهم وزكاة نفوسهم، جازاه اللّه من جنس عمله بأن جعل عليه من صلاته وصلاة الملائكة وأهل الأرض ما يكون سبباً فى نجاته وسعادته وفلاحه).
وقد قيل: مثل العلماء مثل الماء أينما سقطوا نفعوا.
قال ابن عباس رضي اللّه عنه: (علماء هذه الأمّة رجلان: رجل أعطاه اللّه علماً فبذله للنّاس ولم يأخذ عليه أجراً ولم يشتر به ثمناً قليلاً أولئك يصلّي عليهم طير السّماء وحيتان البحر ودوابّ الأرض والكرام الكاتبون، ورجل آتاه العلم فضنّ به عن عباده وأخذ به أجراً واشترى به ثمناً قليلاً فذلك يأتي يوم القيامة ملجّماً بلجام من نار).
ولهذا لاحظوا كم مرّ عبر التّاريخ من الملوك والمخترعين والتّجار وغيرهم، انتهوا بمماتهم فانتهى ذكرهم -إلّا من رحم اللّه- أمّا أهل العلم الرّبّانيّون فعندما يأتي ذكرهم يُترحّم عليهم.
أجسادهم مفقودة ولكنّ آثارهم باقية.
فرحم اللّه أهل العلم ورضي عنهم وغفر لهم وألحقنا بهم في الصّالحين، والحمد للّه ربّ العالمين.
الشيخ أيمن علي محمد- مصر