الكلام عندما يتعلّق بآي القرآن الكريم ذو شجون، يطولُ بلا توقّف.
سأحاول استجماع خاطري وحصره.
باسم اللّه نبدأ..
وحديثنا حول آي وقصة تعلّق بها القلب ودارت مسارات الحياة حولها، قصّة مختلفة ليست كأيّ قصّة في القرآن، فهي القصّة التي تُمثّلنا وتضع الأساس لحياتنا، حديثنا اليوم حول قصّة سيدنا آدم، وقصّة خلافتنا نحن بنو آدم قد تجاوزت مسألة السّرد أو أخذ الدّروس والعبر، فهي ليست مجرّد سرد تاريخيّ للأحداث، فقد تعجَّبت الملائكة من جعلنا خلفاء، خلفاء للّه في أرضه، نقود الحياة ونعمّر العالم ونخوض غمار الكون ونصعد أفلاك السّماء، ونكتشف البحار، ونفكّر ونتعلّم..
فأيّ شأن أعظم وأكرم من هذا الشّأن؟ إذ اختارنا الخالق لنتعلَّم بطريقة فريدة غير موجودة عند أيّ مخلوق آخر في الكون ولا حتّى الملائكة، فقُدرة الإنسان على اكتساب العلم عظيمة، وهذا قد أثبته الزّمن وتطوُّر العلم منذ قرون، حتّى استطاع الإنسان أن يقلب الموازين ويختزل المسافات بطريقة لم تكن متوقّعة في قرون سابقة.
علّم اللّه آدم الأسماء، ولماذا الأسماء؟ لأن تسمية أفعال النّاس الطّيّبة باسمها: هو من يعطيها قيمة الصّواب وتسمية الباطل باسمه هو من يضعه في ميزانه الصّحيح فلا مواربة في الحقّ! فالأسماء أصل الأمر كلّه ومناط التّكليف.
نعم.. كان العلم هو العقد الذي تنتظم حوله الرّسالات، فخلافة آدم مفتاحها العلم، وهي كلمة النّزول الأولى على محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم “اقرأ”.. اقرأ للنّبيّ الأمّي.. إقرأ هي الرّسالة الخالدة لكلّ الدّنيا، اقرأ كما علّم اللّه آدم الأسماء كلّها.. كانت اقرأ كلمة البداية والنّهاية..
وقد سخّر اللّه سبحانه لهذا الخليفة كلّ المخلوقات وقوانين الطّبيعة لخدمته ليُحسِن حمل الأمانة، ففي سجود الملائكة لسيّدنا آدم رمزيّة إلى تسخير اللّه سبحانه وتعالى كلّ ما في الكون وكلّ قوانين الطّبيعة للإنسان، فالملائكة تسجد لآدم وتحرّك السّحاب والرّياح وتدير القوانين بأمر اللّه.
وبهذا أراد ربّ العزّة أن يُري الملائكة تجربة عمليّة جواباً على سؤالهم، فقال تعالى بمحكم تنزيله : “وعلَّم آدم الأسماء كلَّها ثمَّ عرضهم على الملائكة فقال أَنبئوني بأَسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31) قالوا سبحانك لا علم لنا إلّا ما علَّمتنا إنّك أَنت العليم الحكيم (32) “
وكرّم اللّه ابن آدم بأن جعله المخلوق الوحيد الّذي يستطيع الاختيار بين الخير والشّر والحقّ والباطل، وهذه الإرادة مقرونة بالعلم، فعِلمه بأسماء الأفعال هو الأساس لاختياره! فهذا المخلوق الذي يفسد في الأرض ويسفك الدّماء ولكنّه وُهِب من أسرار الله وخلقه ما يرفع قيمته حتّى على الملائكة، لقد وُهب سرّ العلم، وسرّ الاختيار، كما وُهب سرّ الإرادة المستقلّة التي تختار الطّريق “إن ازدواج طبيعته، وقدرته على تحكيم إرادته في شقّ طريقه، إنّ هذا كلّه بعض أسرار تكريمه.”
شيماء عائد أبو عيسى/ من فلسطين